الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الطبري المسمى بـ «جامع البيان في تأويل آي القرآن» ***
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَهَذَا قَضَاءٌ مِنَ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِلْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ بِالْفَضْلِ عَلَى سَائِرِ الْمِلَلِ غَيْرِهِ وَأَهْلِهَا، يَقُولُ اللَّهُ: " {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا} " أَيُّهَا النَّاسُ، وَأَصْوَبُ طَرِيقًا، وَأَهْدَى سَبِيلًا" {مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ}، يَقُولُ: مِمَّنِ اسْتَسْلَمَ وَجْهُهُ لِلَّهِ فَانْقَادَ لَهُ بِالطَّاعَةِ، مُصَدِّقًا نَبِيَّهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ "وَهُوَ مُحْسِنٌ"، يَعْنِي: وَهُوَ عَامِلٌ بِمَا أَمَرَهُ بِهِ رَبُّهُ، مُحَرِّمٌ حَرَامَهُ وَمُحَلِّلٌ حَلَالَهُ " {وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} "، يَعْنِي بِذَلِكَ: وَاتَّبَعَ الدِّينَ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ إِبْرَاهِيمُ خَلِيلُ الرَّحْمَنِ، وَأَمَرَ بِهِ بَنِيهِ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْصَاهُمْ بِهِ "حَنِيفًا"، يَعْنِي: مُسْتَقِيمًا عَلَى مِنْهَاجِهِ وَسَبِيلِهِ. وَقَدْ بَيَّنَّا اخْتِلَافَ الْمُخْتَلِفِينَ فِيمَا مَضَى قَبْلُ فِي مَعْنَى "الحَنِيفِ"، وَالدَّلِيلِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ. وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ: وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ أَيْضًا الضَّحَّاكُ. حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ قَالَ: أَخْبَرَنَا جُوَيْبِرٌ، عَنِ الضَّحَّاكِ قَالَ: فَضَّلَ اللَّهُ الْإِسْلَامَ عَلَى كُلِّ دِينٍ فَقَالَ: " {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ} " إِلَى قَوْلِهِ: " {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} "، وَلَيْسَ يُقْبَلُ فِيهِ عَمَلٌ غَيْرُ الْإِسْلَامِ، وَهِيَ الْحَنِيفِيَّةُ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ وَلِيًّا. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَمَا مَعْنَى "الخُلَّةِ" الَّتِي أُعْطِيهَا إِبْرَاهِيمُ؟ قِيلَ: ذَلِكَ مِنْ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: الْعَدَاوَةُ فِي اللَّهِ وَالْبُغْضُ فِيهِ، وَالْوِلَايَةُ فِي اللَّهِ وَالْحُبُّ فِيهِ، عَلَى مَا يُعْرَفُ مِنْ مَعَانِي "الخُلَّةِ". وَأَمَّا مِنَ اللَّهِ لِإِبْرَاهِيمَ، فَنُصْرَتُهُ عَلَى مَنْ حَاوَلَهُ بِسُوءٍ، كَالَّذِي فَعَلَ بِهِ إِذْ أَرَادَهُ نُمْرُودُ بِمَا أَرَادَهُ بِهِ مِنَ الْإِحْرَاقِ بِالنَّارِ فَأَنْقَذَهُ مِنْهَا، أَوْ عَلَى حُجَّتِهِ عَلَيْهِ إِذْ حَاجَّهُ، وَكَمَا فَعَلَ بِمَلِكِ مِصْرَ إِذْ أَرَادَهُ عَنْ أَهْلِهِ، وَتَمْكِينُهُ مِمَّا أَحَبَّ، وَتَصْيِيرُهُ إِمَامًا لِمَنْ بَعْدَهُ مِنْ عِبَادِهِ، وَقُدْوَةً لِمَنْ خَلْفَهُ فِي طَاعَتِهِ وَعِبَادَتِهِ. فَذَلِكَ مَعْنَى مُخَالَّتِهِ إِيَّاهُ. وَقَدْ قِيلَ: سَمَّاهُ اللَّهُ "خَلِيلًا"، مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ أَصَابَ أَهْلَ نَاحِيَتِهِ جَدْبٌ، فَارْتَحَلَ إِلَى خَلِيلٍ لَهُ مَنْ أَهْلِ الْمَوْصِلِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مِنْ أَهْلِ مِصْرَ فِي امْتِيَارِ طَعَامٍ لِأَهْلِهِ مِنْ قِبَلِهِ، فَلَمْ يُصِبْ عِنْدَهُ حَاجَتَهُ. فَلَمَّا قَرُبَ مِنْ أَهْلِهِ مَرَّ بِمَفَازَةٍ ذَاتِ رَمْلٍ، فَقَالَ: لَوْ مَلَأْتُ غَرَائِرِي مِنْ هَذَا الرَّمْلِ، لِئَلَّا أَغُمَّ أَهْلِي بِرُجُوعِي إِلَيْهِمْ بِغَيْرِ مِيرَةٍ، وَلِيَظُنُّوا أَنِّي قَدْ أَتَيْتُهُمْ بِمَا يُحِبُّونَ! فَفَعَلَ ذَلِكَ، فَتَحَوَّلَ مَا فِي غَرَائِرِهِ مِنَ الرَّمْلِ دَقِيقًا، فَلَمَّا صَارَ إِلَى مَنْزِلِهِ نَامَ. وَقَامَ أَهْلُهُ، فَفَتَحُوا الْغَرَائِرَ، فَوَجَدُوا دَقِيقًا، فَعَجَنُوا مِنْهُ وَخَبَزُوا. فَاسْتَيْقَظَ، فَسَأَلَهُمْ عَنِ الدَّقِيقِ الَّذِي مِنْهُ خَبَزُوا، فَقَالُوا: مِنَ الدَّقِيقِ الَّذِي جِئْتَ بِهِ مِنْ عِنْدِ خَلِيلِكَ! فَعَلِمَ، فَقَالَ: نَعَمْ! هُوَ مِنْ خَلِيلِي اللَّهِ! قَالُوا: فَسَمَّاهُ اللَّهُ بِذَلِكَ"خَلِيلًا".
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِ شَيْءٍ مُحِيطًا}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: " {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} "، لِطَاعَتِهِ رَبَّهُ، وَإِخْلَاصِهِ الْعِبَادَةِ لَهُ، وَالْمُسَارَعَةِ إِلَى رِضَاهُ وَمَحَبَّتِهِ، لَا مِنْ حَاجَةٍ بِهِ إِلَيْهِ وَإِلَى خُلَّتِهِ. وَكَيْفَ يَحْتَاجُ إِلَيْهِ وَإِلَى خُلَّتِهِ، وَلَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ مِلْكًا، وَالْمَالِكُ الَّذِي إِلَيْهِ حَاجَةُ مُلْكِهِ، دُونَ حَاجَتِهِ إِلَيْهِ؟ يَقُولُ: فَكَذَلِكَ حَاجَةُ إِبْرَاهِيمَ إِلَيْهِ، لَا حَاجَتُهُ إِلَيْهِ فَيَتَّخِذُهُ مِنْ أَجْلِ حَاجَتِهِ إِلَيْهِ خَلِيلًا، وَلَكِنَّهُ اتَّخَذَهُ خَلِيلًا لِمُسَارَعَتِهِ إِلَى رِضَاهُ وَمَحَبَّتِهِ. يَقُولُ: فَكَذَلِكَ فَسَارِعُوا إِلَى رِضَايَ وَمَحَبَّتِي لِأَتَّخِذَكُمْ لِي أَوْلِيَاءَ" {وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِ شَيْءٍ مُحِيطًا} "، وَلَمْ يَزَلِ اللَّهُ مُحْصِيًا لِكُلِّ مَا هُوَ فَاعِلُهُ عِبَادُهُ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ، عَالِمًا بِذَلِكَ، لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْهُ، وَلَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: " {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ} "، وَيَسْأَلُكَ، يَا مُحَمَّدُ، أَصْحَابُكَ أَنْ تُفْتِيَهُمْ فِي أَمْرِ النِّسَاءِ، وَالْوَاجِبِ لَهُنَّ وَعَلَيْهِنَّ، فَاكْتَفَى بِذِكْرِ "النِّسَاءِ" مِنْ ذِكْرِ"شَأْنِهِنَّ"، لِدَلَالَةِ مَا ظَهَرَ مِنَ الْكَلَامِ عَلَى الْمُرَادِ مِنْهُ. " {قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ} "، قُلْ لَهُمْ: يَا مُحَمَّدُ، اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ، يَعْنِي: فِي النِّسَاءِ" {وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ} ". وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: " {وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ} ". فَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَعْنِي بِقَوْلِهِ: " {وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ}، قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ، وَفِيمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ. قَالُوا: وَالَّذِي يُتْلَى عَلَيْهِمْ، هُوَ آيَاتُ الْفَرَائِضِ الَّتِي فِي أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَكَّامُ بْنُ سَلْمٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي قَيْسٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ} "، قَالَ: كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ لَا يُوَرِّثُونَ الْمَوْلُودَ حَتَّى يَكْبُرَ، وَلَا يُوَرِّثُونَ الْمَرْأَةَ. فَلَمَّا كَانَ الْإِسْلَامُ، قَالَ: " {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ} " فِي أَوَّلِ السُّورَةِ فِي الْفَرَائِضِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُنَّ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَة: " {وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} "، قَالَتْ: هَذَا فِي الْيَتِيمَةِ تَكُونُ عِنْدَ الرَّجُلِ، لَعَلَّهَا أَنْ تَكُونَ شَرِيكَتَهُ فِي مَالِهِ، وَهُوَ أَوْلَى بِهَا مِنْ غَيْرِهِ، فَيَرْغَبُ عَنْهَا أَنْ يَنْكِحَهَا وَيَعْضُلَهَا لِمَالِهَا، وَلَا يُنْكِحَهَا غَيْرَهُ كَرَاهِيَةَ أَنْ يُشْرِكَهُ أَحَدٌ فِي مَالِهَا. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ وَابْنُ حُمَيْدٍ قَالَا: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: كَانُوا لَا يُوَرِّثُونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ النِّسَاءَ وَالْفَتَى حَتَّى يَحْتَلِمَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: " {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ} "، فِي أَوَّلِ"سُورَةِ النِّسَاءِ" مِنَ الْفَرَائِضِ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ قَالَ: كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ لَا يُوَرِّثُونَ الْيَتِيمَةَ، وَلَا يَنْكِحُونَهَا ويَعْضُلُونَهَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: " {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ} " إِلَى آخِرِ الْآيَةِ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: أَخْبَرَنِي الْحَجَّاجُ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَثِيرٍ: أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: " {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} "، الْآيَةَ، قَالَ: كَانَ لَا يَرِثُ إِلَّا الرَّجُلُ الَّذِي قَدْ بَلَغَ، لَا يَرِثُ الرَّجُلُ الصَّغِيرُ وَلَا الْمَرْأَةُ. فَلَمَّا نَزَلَتْ آيَةُ الْمَوَارِيثِ فِي"سُورَةِ النِّسَاءِ"، شَقَّ ذَلِكَ عَلَى النَّاسِ وَقَالُوا: يَرِثُ الصَّغِيرُ الَّذِي لَا يَعْمَلُ فِي الْمَالِ وَلَا يَقُومُ فِيهِ، وَالْمَرْأَةُ الَّتِي هِيَ كَذَلِكَ، فَيَرِثَانِ كَمَا يَرِثُ الرَّجُلُ الَّذِي يَعْمَلُ فِي الْمَالِ! فَرَجَوْا أَنْ يَأْتِيَ فِي ذَلِكَ حَدَثٌ مِنَ السَّمَاءِ، فَانْتَظَرُوا فَلَمَّا رَأَوْا أَنَّهُ لَا يَأْتِي حَدَثٌ قَالُوا: لَئِنْ تَمَّ هَذَا، إِنَّهُ لَوَاجِبٌ مَا مِنْهُ بُدٌّ! ثُمَّ قَالُوا: سَلُوا. فَسَأَلُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: " {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ} " فِي أَوَّلِ السُّورَةِ" {فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} ". قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: وَكَانَ الْوَلِيُّ إِذَا كَانَتِ الْمَرْأَةُ ذَاتَ جِمَالٍ وَمَالٍ رَغِبَ فِيهَا وَنَكَحَهَا وَاسْتَأْثَرَ بِهَا، وَإِذَا لَمْ تَكُنْ ذَاتَ جِمَالٍ وَمَالٍ أَنْكَحُهَا وَلَمْ يَنْكِحْهَا. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ وَكِيعٍ قَالَا: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ: " {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} "، قَالَ: كَانُوا إِذَا كَانَتِ الْجَارِيَةُ يَتِيمَةً دَمِيمَةً لَمْ يُعْطُوهَا مِيرَاثَهَا، وَحَبَسُوهَا عَنِ التَّزْوِيجِ حَتَّى تَمُوتَ، فَيَرِثُوهَا. فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذَا. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُغِيرَةُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ فِي قَوْلِهِ: " {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ} "، قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ تَكُونُ لَهُ الْيَتِيمَةُ بِهَا الدَّمَامَةُ وَالْأَمْرُ الَّذِي يُرَغِّبُ عَنْهَا فِيهِ، وَلَهَا مَالٌ. قَالَ: فَلَا يَتَزَوَّجُهَا وَلَا يُزَوِّجُهَا، حَتَّى تَمُوتَ فَيَرِثُهَا. قَالَ: فَنَهَاهُمُ اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ: " {وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} "، قَالَ: كَانَتِ الْمَرْأَةُ إِذَا كَانَتْ عِنْدَ وَلِيٍّ يَرْغَبُ عَنْهَا، حَبَسَهَا إِنْ لَمْ يَتَزَوَّجْهَا، وَلَمْ يَدَعْ أَحَدًا يَتَزَوَّجُهَا. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: " {فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ} "، قَالَ: كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ لَا يُوَرِّثُونَ النِّسَاءَ وَلَا الصِّبْيَانَ شَيْئًا، كَانُوا يَقُولُونَ: لَا يَغْزُونَ وَلَا يَغْنَمُونَ خَيْرًا! فَفَرَضَ اللَّهُ لَهُنَّ الْمِيرَاثَ حَقًّا وَاجِبًا لِيَتَنَافَسَ أَوْ: لِيَنْفَسَ الرَّجُلُ فِي مَالِ يَتِيمَتِهِ إِنْ لَمْ تَكُنْ حَسَنَةً. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ بِنَحْوِهِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا عَمِّي قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ} "، يَعْنِي: الْفَرَائِضَ الَّتِي افْتَرَضَ فِي أَمْرِ النِّسَاءِ "اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ"، قَالَ: كَانَتِ الْيَتِيمَةُ تَكُونُ فِي حِجْرِ الرَّجُلِ فَيَرْغَبُ أَنْ يَنْكِحَهَا أَوْ يُجَامِعَهَا، وَلَا يُعْطِيهَا مَالَهَا، رَجَاءَ أَنْ تَمُوتَ فَيَرِثُهَا. وَإِنْ مَاتَ لَهَا حَمِيمٌ لَمْ تُعْطَ مِنَ الْمِيرَاثِ شَيْئًا. وَكَانَ ذَلِكَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَبَيَّنَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ. حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلُهُ: " {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ} " حَتَّى بَلَغَ" {وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} "، فَكَانَ الرَّجُلُ تَكُونُ فِي حِجْرِهِ الْيَتِيمَةُ بِهَا دَمَامَةٌ، وَلَهَا مَالٌ، فَكَانَ يَرْغَبُ عَنْهَا أَنْ يَتَزَوَّجَهَا، وَيَحْبِسَهَا لِمَالِهَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ مَا تَسْمَعُونَ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: " {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ} "، قَالَ: كَانَتِ الْيَتِيمَةُ تَكُونُ فِي حَجْرِ الرَّجُلِ فِيهَا دَمَامَةٌ، فَيَرْغَبُ عَنْهَا أَنْ يَنْكِحَهَا، وَلَا يُنْكِحُهَا رَغْبَةً فِي مَالِهَا. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ قَوْلُهُ: " {وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} "، إِلَى قَوْلِهِ: "بِالْقِسْطِ"، قَالَ: كَانَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ ثُمَّ السُّلَمِيُّ لَهُ ابْنَةُ عَمٍّ عَمْيَاءُ، وَكَانَتْ دَمِيمَةً، وَكَانَتْ قَدْ وَرِثَتْ عَنْ أَبِيهَا مَالًا فَكَانَ جَابِرٌ يَرْغَبُ عَنْ نِكَاحِهَا، وَلَا يُنْكِحُهَا رَهْبَةَ أَنْ يَذْهَبَ الزَّوْجُ بِمَالِهَا، فَسَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ وَكَانَ نَاسٌ فِي حُجُورِهِمْ جَوَارٍ أَيْضًا مِثْلَ ذَلِكَ، فَجَعَلَ جَابِرٌ يَسْأَلُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَتَرِثُ الْجَارِيَةُ إِذَا كَانَتْ قَبِيحَةً عَمْيَاءَ؟ فَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: نَعَمْ!! فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِنَّ هَذَا. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَفِيمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ، فِي آخِرِ"سُورَةِ النِّسَاءِ"، وَذَلِكَ قَوْلُهُ: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ} إِلَى آخِرِ السُّورَةِ [سُورَةُ النِّسَاءِ: 176].
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَامُ بْنُ سُلَيْمٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ لَا يُوَرِّثُونَ الْوِلْدَانَ حَتَّى يَحْتَلِمُوا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: " {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ} "، إِلَى قَوْلِهِ" {فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا} ". قَالَ: ونَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ}، [سُورَةُ النِّسَاءِ: 176]، الْآيَةَ كُلَّهَا. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَفِيمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ يَعْنِي: فِي أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 3]
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَة زوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ}، قَالَتْ: يَا ابْنَ أُخْتِي، هِيَ الْيَتِيمَةُ تَكُونُ فِي حِجْرِ الرَّجُلِ وَلِيِّهَا، تُشَارِكُهُ فِي مَالِهِ، فَيُعْجِبُهُ مَالَهَا وَجَمَالَهَا، فَيُرِيدُ وَلَيُّهَا أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بِغَيْرِ أَنْ يُقْسِطَ فِي صَدَاقِهَا، فَيُعْطِيهَا مِثْلَ مَا يُعْطِيهَا غَيْرُهُ. فَنُهُوا أَنْ يَنْكِحُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يُقْسِطُوا لَهُنَّ، وَيَبْلُغُوا بِهِنَّ أَعْلَى سُنَّتِهِنَّ مِنَ الصَّدَاقِ. وَأُمِرُوا أَنْ يَنْكِحُوا مَا طَابَ لَهُمْ مِنَ النِّسَاءِ سِوَاهُنَّ. قَالَ عُرْوَةُ: قَالَتْ عَائِشَة: ثُمَّ إِنَّ النَّاسَ اسْتَفْتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ هَذِهِ الْآيَةِ فِيهِنَّ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: " {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} ". قَالَتْ: وَالَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ أَنَّهُ يُتْلَى فِي الْكِتَابِ: الْآيَةَ الْأُولَى الَّتِي قَالَ فِيهَا: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ}. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَة مثْلَهُ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَعَلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا، "مَا" الَّتِي فِي قَوْلِهِ: "وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ"، فِي مَوْضِعِ خَفْضٍ بِمَعْنَى الْعَطْفِ عَلَى "الهَاءِ وَالنُّونِ" الَّتِي فِي قَوْلِهِ: "يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ". فَكَأَنَّهُمْ وَجَّهُوا تَأْوِيلَ الْآيَةِ: قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ، أَيُّهَا النَّاسُ، فِي النِّسَاءِ، وَفِيمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ. وَقَالَ آخَرُونَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْمٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، سَأَلُوهُ عَنْ أَشْيَاءَ مِنْ أَمْرِ النِّسَاءِ، وَتَرَكُوا الْمَسْأَلَةَ عَنْ أَشْيَاءَ أُخَرَ كَانُوا يَفْعَلُونَهَا، فَأَفْتَاهُمُ اللَّهُ فِيمَا سَأَلُوا عَنْهُ، وَفِيمَا تَرَكُوا الْمَسْأَلَةَ عَنْهُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَسُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ- قَالَ سُفْيَانُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى- وَقَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنِي عَبْدُ الْأَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا دَاوُدُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي مُوسَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ: " {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ} "، قَالَ: اسْتَفْتَوْا نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النِّسَاءِ، وَسَكَتُوا عَنْ شَيْءٍ كَانُوا يَفْعَلُونَهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: " {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ} "، وَيُفْتِيكُمْ فِيمَا لَمْ تَسْأَلُوا عَنْهُ. قَالَ: كَانُوا لَا يَتَزَوَّجُونَ الْيَتِيمَةَ إِذَا كَانَ بِهَا دَمَامَةٌ، وَلَا يَدْفَعُونَ إِلَيْهَا مَالَهَا فَتُنْفِقُ، فنَزَلَتْ: " {قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي النِّسَاءِ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} "، قَالَ: " {وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ} "، قَالَ: كَانُوا يُوَرِّثُونَ الْأَكَابِرَ وَلَا يُورِّثُونَ الْأَصَاغِرَ. ثُمَّ أَفْتَاهُمْ فِيمَا سَكَتُوا عَنْهُ فَقَالَ: " {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} " وَلَفْظُ الْحَدِيثِ لِابْنِ الْمُثَنَّى. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ: "الَّذِي يُتْلَى عَلَيْنَا فِي الْكِتَابِ"، الَّذِي قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: " {قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ} ": " {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا} "، الْآيَةَ. وَالَّذِي سَأَلَ الْقَوْمُ فَأُجِيبُوا عَنْهُ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ: اللَّاتِي كَانُوا لَا يُؤْتُونَهُنَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُنَّ مِنَ الْمِيرَاثِ عَمَّنْ وَرِثَتْهُ عَنْهُ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ الَّتِي ذَكَرْنَا عَمَّنْ ذَكَرْنَاهَا عَنْهُ بِالصَّوَابِ، وَأَشْبَهُهَا بِظَاهِرِ التَّنْزِيلِ، قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَى قَوْلِهِ: " {وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ} "، وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ مِنْ آيَاتِ الْفَرَائِضِ فِي أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ وَآخِرِهَا. وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ، لِأَنَّ الصَّدَاقَ لَيْسَ مِمَّا كُتِبَ لِلنِّسَاءِ إِلَّا بِالنِّكَاحِ، فَمَا لَمْ تَنْكِحْ فَلَا صَدَاقَ لَهَا قِبَلَ أَحَدٍ. وَإِذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهَا قِبَلَ أَحَدٍ، لَمْ يَكُنْ مِمَّا كُتِبَ لَهَا. وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مِمَّا كُتِبَ لَهَا، لَمْ يَكُنْ لِقَوْلِ قَائِلٍ: عَنَى بِقَوْلِهِ: " {وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ} "، الْإِقْسَاطَ فِي صَدَقَاتِ يَتَامَى النِّسَاءِ وَجْهٌ. لِأَنَّ اللَّهَ قَالَ فِي سِيَاقِ الْآيَةِ، مُبَيِّنًا عَنِ الْفُتْيَا الَّتِي وَعَدْنَا أَنْ يُفْتِيَنَاهَا: " {فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ} "، فَأَخْبَرَ أَنَّ بَعْضَ الَّذِي يُفْتِينَا فِيهِ مِنْ أَمْرِ النِّسَاءِ، أَمْرُ الْيَتِيمَةِ الْمَحُولِ بَيْنِهَا وَبَيْنَ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهَا. وَالصَّدَاقُ قَبْلَ عَقْدِ النِّكَاحِ، لَيْسَ مِمَّا كَتَبَ اللَّهُ لَهَا عَلَى أَحَدٍ. فَكَانَ مَعْلُومًا بِذَلِكَ أَنَّ الَّتِي عُنِيَتْ بِهَذِهِ الْآيَةِ، هِيَ الَّتِي قَدْ حِيلَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الَّذِي كُتِبَ لَهَا مِمَّا يُتْلَى عَلَيْنَا فِي كِتَابِ اللَّهِ. فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، كَانَ مَعْلُومًا أَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمِيرَاثُ الَّذِي يُوجِبُهُ اللَّهُ لَهُنَّ فِي كِتَابِهِ. فَأَمَّا الَّذِي ذُكِرَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي مُوسَى، فَإِنَّهُ مَعَ خُرُوجِهِ مِنْ قَوْلِ أَهْلِ التَّأْوِيلِ، بَعِيدٌ مِمَّا يَدُلُّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ التَّنْزِيلِ. وَذَلِكَ أَنَّهُ زَعَمَ أَنَّ الَّذِي عَنَى اللَّهُ بِقَوْلِهِ: " {وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ} "، هُوَ: " {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا} ". وَإِذَا وُجِّهَ الْكَلَامُ إِلَى الْمَعْنَى الَّذِي تَأَوَّلَهُ، صَارَ الْكَلَامُ مُبْتَدَأً مِنْ قَوْلِهِ: " {فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ} "، تَرْجَمَةً بِذَلِكَ عَنْ قَوْلِهِ: "فِيهِنَّ"، وَيَصِيرُ مَعْنَى الْكَلَامِ: قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ، فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ، وَلَا دَلَالَةَ فِي الْآيَةِ عَلَى مَا قَالَهُ، وَلَا أَثَرَ عَمَّنْ يُعْلَمُ بِقَوْلِهِ صِحَّةُ ذَلِكَ، وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، كَانَ وَصْلُ مَعَانِي الْكَلَامِ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ أَوْلَى، مَا وُجِدَ إِلَيْهِ سَبِيلٌ. فَإِذْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا وَصَفْنَا، فَقَوْلُهُ: " {فِي يَتَامَى النِّسَاءِ} "، بِأَنْ يَكُونَ صِلَةً لِقَوْلِهِ: " {وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ} "، أَوْلَى مِنْ أَنْ يَكُونَ تَرْجَمَةً عَنْ قَوْلِهِ: " {قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ} "، لِقُرْبِهِ مِنْ قَوْلِهِ: " {وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ} "، وَانْقِطَاعِهِ عَنْ قَوْلِهِ: " {يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ} ". وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَتَأْوِيلُ الْآيَةِ: وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ، قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَفِيمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَهُ عَلَى نَبِيِّهِ فِي أَمْرِ يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُعْطُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ يَعْنِي: مَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُنَّ مِنَ الْمِيرَاثِ عَمَّنْ وَرِثْنَهُ، كَمَا:- حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: " {لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ} "، قَالَ: لَا تُوَرِّثُونَهُنَّ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَوْلُهُ: " {لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ} "، قَالَ: مِنَ الْمِيرَاثِ. قَالَ: كَانُوا لَا يُوَرِّثُونَ النِّسَاءَ."وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ". وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِيمَعْنَى قَوْلِهِ: " {وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} ". فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَتَرْغَبُونَ عَنْ نِكَاحِهِنَّ. وَقَدْ مَضَى ذِكْرُ جَمَاعَةٍ مِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ، وَسَنَذْكُرُ قَوْلَ آخَرِينَ لَمْ نَذْكُرْهُمْ. حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ السَّامِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَوْنٍ، عَنِ الْحَسَنِ: "وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ"، قَالَ: تَرْغَبُونَ عَنْهُنَّ. حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ وَابْنُ وَكِيعٍ قَالَا: حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنِ الْحَسَنِ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَة في قَوْلِ اللَّهِ: " {وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} "، رَغْبَةُ أَحَدِكُمْ عَنْ يَتِيمَتِهِ الَّتِي تَكُونُ فِي حِجْرِهِ حِينَ تَكُونُ قَلِيلَةَ الْمَالِ وَالْجِمَالِ، فَنُهُوا أَنْ يَنْكِحُوا مَنْ رَغِبُوا فِي مَالِهَا وَجَمَالِهَا مِنْ يَتَامَى النِّسَاءِ إِلَّا بِالْقِسْطِ، مِنْ أَجْلِ رَغْبَتِهِمْ عَنْهُنَّ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ يَعْنِي ابْنَ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: قَالَ عُرْوَةُ، قَالَتْ عَائِشَة، فَذَكَرَ مِثْلَهُ. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَتَرْغَبُونَ فِي نِكَاحِهِنَّ. وَقَدْ مَضَى ذِكْرُ جَمَاعَةٍ مِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ قَبْلُ، وَنَحْنُ ذَاكِرُو قَوْلِ مَنْ لَمْ نَذْكُرْ مِنْهُمْ. حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبِيدَةَ: " {وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} "، قَالَ: وَتَرْغَبُونَ فِيهِنَّ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَابْنُ وَكِيعٍ قَالَا: حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ: قُلْتُ لِعَبِيدَةَ: "وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ"، قَالَ: تَرْغَبُونَ فِيهِنَّ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: " {فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ}، فَكَانَ الرَّجُلُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ تَكُونُ عِنْدَهُ الْيَتِيمَةُ فَيُلْقِي عَلَيْهَا ثَوْبَهُ، فَإِذَا فَعَلَ بِهَا ذَلِكَ لَمْ يَقْدِرْ أَحَدٌ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا أَبَدًا. فَإِنْ كَانَتْ جَمِيلَةً وَهَوِيَهَا، تَزَوَّجَهَا وَأَكَلَ مَالَهَا. وَإِنْ كَانَتْ دَمِيمَةً مَنَعَهَا الرَّجُلُ أَبَدًا حَتَّى تَمُوتَ، فَإِذَا مَاتَتْ وَرِثَهَا. فَحَرَّمَ اللَّهُ ذَلِكَ وَنَهَى عَنْهُ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ، قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَى ذَلِكَ، "وَتَرْغَبُونَ عَنْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ". لِأَنَّ حَبْسَهُمْ أَمْوَالَهُنَّ عَنْهُنَّ مَعَ عَضْلِهِمْ إِيَّاهُنَّ، إِنَّمَا كَانَ لِيَرِثُوا أَمْوَالَهُنَّ، دُونَ زَوْجٍ إِنْ تَزَوَّجْنَ. وَلَوْ كَانَ الَّذِينَ حَبَسُوا عَنْهُنَّ أَمْوَالَهُنَّ، إِنَّمَا حَبَسُوهَا عَنْهُنَّ رَغْبَةً فِي نِكَاحِهِنَّ، لَمْ يَكُنْ لِلْحَبْسِ عَنْهُنَّ وَجْهٌ مَعْرُوفٌ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا أَوْلِيَاءَهُنَّ، وَلَمْ يَكُنْ يَمْنَعُهُمْ مِنْ نِكَاحِهِنَّ مَانِعٌ، فَيَكُونُ بِهِ حَاجَةٌ إِلَى حَبْسِ مَالِهَا عَنْهَا، لِيَتَّخِذَ حَبْسَهَا عَنْهَا سَبَبًا إِلَى إِنْكَاحِهَا نَفْسَهَا مِنْهُ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَفِيمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ وَفِي الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَفِي أَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ. وَقَدْ ذَكَرْنَا الرِّوَايَةَ بِذَلِكَ عَمَّنْ قَالَهُ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فِيمَا مَضَى، وَالَّذِينَ أَفْتَاهُمْ فِي أَمْرِ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ أَنْ يُؤْتُوهُمْ حُقُوقَهُمْ مِنَ الْمِيرَاثِ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا لَا يُوَرِّثُونَ الصِّغَارَ مِنْ أَوْلَادِ الْمَيِّتِ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُقْسِطُوا فِيهِمْ، فَيَعْدِلُوا وَيُعْطُوهُمْ فَرَائِضَهُمْ عَلَى مَا قَسَمَ اللَّهُ لَهُمْ فِي كِتَابِهِ، كَمَا:- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ قَوْلُهُ: " {وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ} "، كَانُوا لَا يُوَرِّثُونَ جَارِيَةً وَلَا غُلَامًا صَغِيرًا، فَأَمَرَهُمُ اللَّهُ أَنْ يَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ. وَ "القِسْطُ": أَنْ يُعْطَى كُلُّ ذِي حَقِّ مِنْهُمْ حَقَّهُ، ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، الصَّغِيرُ مِنْهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْكَبِيرِ. حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: " {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ} "، قَالَ: لَا تُوَرِّثُوهُنَّ مَالًا" {وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ} "، قَالَ: فَدَخَلَ النِّسَاءُ وَالصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ فِي الْمَوَارِيثِ، وَنَسَخَتِ الْمَوَارِيثُ ذَلِكَ الْأَوَّلَ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: " {وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ} "، أُمِرُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ، بِالْعَدْلِ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ: " {وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ} "، قَالَ: كَانُوا لَا يُوَرِّثُونَ إِلَّا الْأَكْبَرَ فَالْأَكْبَرَ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: " {وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ} "، فَكَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ لَا يُوَرِّثُونَ الصِّغَارَ وَلَا الْبَنَاتَ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: " {لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ} "، فَنَهَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ، وَبَيَّنَ لِكُلِّ ذِي سَهْمٍ سَهْمَهُ، فَقَالَ: {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 11، ]، صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: " {وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ} "، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا لَا يُوَرِّثُونَ الصَّغِيرَ وَالضَّعِيفَ شَيْئًا، فَأَمَرَ اللَّهُ أَنْ يُعْطَى نَصِيبَهُ مِنَ الْمِيرَاثِ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُغِيرَةُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ إِذَا جَاءَهُ وَلِيُّ الْيَتِيمَةِ، فَإِنْ كَانَتْ حَسَنَةً غَنِيَّةً قَالَ لَهُ عُمَرُ: زَوِّجْهَا غَيْرَكَ، وَالْتَمِسْ لَهَا مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْكَ. وَإِذَا كَانَتْ بِهَا دَمَامَةٌ وَلَا مَالَ لَهَا، قَالَ: تَزَوَّجْهَا فَأَنْتَ أَحَقُّ بِهَا! حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، مَا أَمْرِي وَمَا أَمْرُ يَتِيمَتِي؟ قَالَ: فِي أَيِّ بَالِكُمَا؟ قَالَ: ثُمَّ قَالَ عَلِيٌّ: أَمُتَزَوِّجُهَا أَنْتَ غَنِيَّةً جَمِيلَةً؟ قَالَ: نَعَمْ، وَالْإِلَهِ! قَالَ: فَتَزَوَّجْهَا دَمِيمَةً لَا مَالَ لَهَا! ثُمَّ قَالَ عَلِيٌّ: خِرْ لَهَا، فَإِنْ كَانَ غَيْرُكَ خَيْرًا لَهَا فَأَلْحِقْهَا بِالْخَيْرِ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَقِيَامُهُمْ لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ، كَانَ الْعَدْلَ فِيمَا أَمَرَ اللَّهُ فِيهِمْ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَمَهْمَا يَكُنْ مِنْكُمْ، أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ، مِنْ عَدْلٍ فِي أَمْوَالِ الْيَتَامَى، الَّتِي أَمَرَكُمُ اللَّهُ أَنْ تَقُومُوا فِيهِمْ بِالْقِسْطِ، وَالِانْتِهَاءِ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فِي ذَلِكَ وَفِي غَيْرِهِ وَإِلَى طَاعَتِهِ" فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا"، لَمْ يَزَلْ عَالِمًا بِمَا هُوَ كَائِنٌ مِنْكُمْ، وَهُوَ مُحْصٍ ذَلِكَ كُلَّهُ عَلَيْكُمْ، حَافِظٌ لَهُ، حَتَّى يُجَازِيَكُمْ بِهِ جَزَاءَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَإِنَّ خَافِتِ امْرَأَةٌ مِنْ بَعْلِهَا، يَقُولُ: عَلِمَتْ مَنْ زَوْجِهَا "نُشُوزًا"، يَعْنِي: اسْتِعْلَاءً بِنَفْسِهِ عَنْهَا إِلَى غَيْرِهَا، أَثَرَةً عَلَيْهَا، وَارْتِفَاعًا بِهَا عَنْهَا، إِمَّا لِبُغْضَةٍ، وَإِمَّا لِكَرَاهَةٍ مِنْهُ بَعْضَ أَسْبَابِهَا إِمَّا دَمَامَتَهَا، وَإِمَّا سِنَّهَا وَكِبَرَهَا، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ أُمُورِهَا "أَوْ إِعْرَاضًا"، يَعْنِي: انْصِرَافًا عَنْهَا بِوَجْهِهِ أَوْ بِبَعْضِ مَنَافِعِهِ الَّتِي كَانَتْ لَهَا مِنْهُ {"فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا} "، يَقُولُ: فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِمَا، يَعْنِي: عَلَى الْمَرْأَةِ الْخَائِفَةِ نُشُوزَ بَعْلِهَا أَوْ إِعْرَاضَهُ عَنْهَا " {أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا} "، وَهُوَ أَنْ تَتْرُكَ لَهُ يَوْمَهَا، أَوْ تَضَعَ عَنْهُ بَعْضَ الْوَاجِبِ لَهَا مِنْ حَقٍّ عَلَيْهِ، تَسْتَعْطِفُهُ بِذَلِكَ وَتَسْتَدِيمُ الْمُقَامَ فِي حِبَالِهِ، وَالتَّمَسُّكَ بِالْعَقْدِ الَّذِي بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ مِنَ النِّكَاحِ يَقُولُ: " {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} "، يَعْنِي: وَالصُّلْحُ بِتَرْكِ بَعْضِ الْحَقِّ اسْتِدَامَةً لِلْحُرْمَةِ، وَتَمَاسُكًا بِعَقْدِ النِّكَاحِ، خَيْرٌ مِنْ طَلَبِ الْفُرْقَةِ وَالطَّلَاقِ. وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ عَرْعَرَةَ: أَنَّ رَجُلًا أَتَى عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَسْتَفْتِيهِ فِي امْرَأَةٍ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا، فَقَالَ: قَدْ تَكُونُ الْمَرْأَةُ عِنْدَ الرَّجُلِ فَتَنْبُو عَيْنَاهُ عَنْهَا مِنْ دَمَامَتِهَا أَوْ كِبَرِهَا أَوْ سُوءِ خُلُقِهَا أَوْ فَقْرِهَا، فَتَكْرَهُ فِرَاقَهُ. فَإِنْ وَضَعَتْ لَهُ مِنْ مَهْرِهَا شَيْئًا حَلَّ لَهُ، وَإِنْ جَعَلَتْ لَهُ مِنْ أَيَّامِهَا شَيْئًا فَلَا حَرَجَ. حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ عَرْعَرَةَ قَالَ: سُئِلَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: " {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا} "، قَالَ: الْمَرْأَةُ الْكَبِيرَةُ، أَوِ الدَّمِيمَةُ، أَوْ لَا يُحِبُّهَا زَوْجُهَا، فَيَصْطَلِحَانِ. حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ وَأَبُو الْأَحْوَصِ كُلُّهُمْ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ عَرْعَرَةَ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، بِنَحْوِهِ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ عَرْعَرَةَ: أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ قَوْلِهِ: " {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا} "، قَالَ: تَكُونُ الْمَرْأَةُ عِنْدَ الرَّجُلِ دَمِيمَةً، فَتَنْبُو عَيْنُهُ عَنْهَا مِنْ دَمَامَتِهَا أَوْ كِبَرِهَا، فَإِنْ جَعَلَتْ لَهُ مِنْ أَيَّامِهَا أَوْ مَالِهَا شَيْئًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ وَكِيعٍ قَالَا: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى عُمَرَ فَسَأَلَهُ عَنْ آيَةٍ، فَكَرِهَ ذَلِكَ وَضَرَبَهُ بِالدِّرَّةِ، فَسَأَلَهُ آخَرُ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ: " {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا} "، فَقَالَ: عَنْ مِثْلِ هَذَا فَسَلُوا! ثُمَّ قَالَ: هَذِهِ الْمَرْأَةُ تَكُونُ عِنْدَ الرَّجُلِ قَدْ خَلَا مِنْ سِنِّهَا، فَيَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةَ الشَّابَّةَ يَلْتَمِسُ وَلَدَهَا، فَمَا اصْطَلَحَا عَلَيْهِ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ جَائِزٌ. حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: " {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا} "، قَالَ: هِيَ الْمَرْأَةُ تَكُونُ عِنْدَ الرَّجُلِ حَتَّى تَكْبُرَ، فَيُرِيدُ أَنْ يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا، فَيَتَصَالَحَانِ بَيْنَهُمَا صُلْحًا، عَلَى أَنْ لَهَا يَوْمًا، وَلِهَذِهِ يَوْمَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عِمْرَانُ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، بِنَحْوِهِ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: حَتَّى تَلِدَ أَوْ تَكْبُرَ وَقَالَ أَيْضًا: فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَصَّالَحَا عَلَى لَيْلَةٍ وَالْأُخْرَى لَيْلَتَيْنِ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ وَابْنُ حُمَيْدٍ قَالَا: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: هِيَ الْمَرْأَةُ تَكُونُ عِنْدَ الرَّجُلِ قَدْ طَالَتْ صُحْبَتُهَا وَكَبُرَتْ، فَيُرِيدُ أَنْ يَسْتَبْدِلَ بِهَا، فَتَكْرَهُ أَنْ تُفَارِقَهُ، وَيَتَزَوَّجُ عَلَيْهَا فَيُصَالِحُهَا عَلَى أَنْ يَجْعَلَ لَهَا أَيَّامًا، وَلِلْأُخْرَى الْأَيَّامَ وَالشَّهْرَ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَكَّامٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي قَيْسٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا} "، قَالَ: هِيَ الْمَرْأَةُ تَكُونُ عِنْدَ الرَّجُلِ فَيُرِيدُ أَنْ يُفَارِقَهَا، فَتَكْرَهُ أَنْ يُفَارِقَهَا، وَيُرِيدُ أَنْ يَتَزَوَّجَ فَيَقُولُ: "إِنِّي لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْسِمَ لَكِ بِمِثْلِ مَا أَقْسِمُ لَهَا"، فَتُصَالِحُهُ عَلَى أَنْ يَكُونَ لَهَا فِي الْأَيَّامِ يَوْمٌ، فَيَتَرَاضَيَانِ عَلَى ذَلِكَ، فَيَكُونَانِ عَلَى مَا اصْطَلَحَا عَلَيْهِ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَة: " {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} "، قَالَتْ: هَذَا فِي الْمَرْأَةِ تَكُونُ عِنْدَ الرَّجُلِ، فَلَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ يَسْتَكْبِرُ مِنْهَا، وَلَا يَكُونُ لَهَا وَلَدٌ وَيَكُونُ لَهَا صُحْبَةً، فَتَقُولُ: لَا تُطَلِّقْنِي، وَأَنْتَ فِي حِلٍّ مِنْ شَأْنِي. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَة في قَوْلِهِ: " {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا} "، قَالَتْ: هَذَا الرَّجُلُ يَكُونُ لَهُ امْرَأَتَانِ: إِحْدَاهُمَا قَدْ عَجَزَتْ، أَوْ هِيَ دَمِيمَةٌ وَهُوَ لَا يَسْتَكْثِرُ مِنْهَا، فَتَقُولُ: لَا تُطَلِّقْنِي، وَأَنْتَ فِي حِلٍّ مِنْ شَأْنِي. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا حِبَّانُ بْنُ مُوسَى قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَة بنَحْوِهِ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: فَتَقُولُ: أَجْعَلُكَ مِنْ شَأْنِي فِي حِلٍّ! فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي ذَلِكَ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: " {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا} "، فَتِلْكَ الْمَرْأَةُ تَكُونُ عِنْدَ الرَّجُلِ، لَا يَرَى مِنْهَا كَبِيرُ مَا يُحِبُّ، وَلَهُ امْرَأَةٌ غَيْرِهَا أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْهَا، فَيُؤْثِرُهَا عَلَيْهَا. فَأَمَرَهُ اللَّهُ إِذَا كَانَ ذَلِكَ، أَنْ يَقُولَ لَهَا: "يَا هَذِهِ، إِنْ شِئْتِ أَنْ تُقِيمِي عَلَى مَا تَرَيْنَ مِنَ الْأَثَرَةِ، فَأُوَاسِيكِ وَأُنْفِقُ عَلَيْكِ فَأَقِيمِي، وَإِنْ كَرِهْتِ خَلَّيْتُ سَبِيلَكِ!"، فَإِنْ هِيَ رَضِيَتْ أَنْ تُقِيمَ بَعْدَ أَنْ يُخَيِّرَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: "وَالصُّلْحُ خَيْرٌ"، وَهُوَ التَّخْيِيرُ. حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ وَبَحْرُ بْنُ نَصْرٍ قَالَا: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَة قالَتْ: أَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ فِي الْمَرْأَةِ إِذَا دَخَلَتْ فِي السِّنِّ، فَتَجْعَلُ يَوْمَهَا لِامْرَأَةٍ أُخْرَى. قَالَتْ فَفِي ذَلِكَ أُنْزِلَتْ: " {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا} ". حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ عَبِيدَةَ قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ: " {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا} "، قَالَ: هِيَ الْمَرْأَةُ تَكُونُ مَعَ زَوْجِهَا، فَيُرِيدُ أَنْ يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا، فَتُصَالِحُهُ مِنْ يَوْمِهَا عَلَى صُلْحٍ. قَالَ: فَهُمَا عَلَى مَا اصْطَلَحَا عَلَيْهِ. فَإِنِ انْتَقَضَتْ بِهِ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَعْدِلَ عَلَيْهَا، أَوْ يُفَارِقَهَا. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُغِيرَةُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ: أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا حَجَّاجٌ، عَنْ مُجَاهِدٍ: أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ عَبِيدَةَ فِي قَوْلِهِ: " {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا} " إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، قَالَ: يُصَالِحُهَا عَلَى مَا رَضِيَتْ دُونَ حَقِّهَا، فَلَهُ ذَلِكَ مَا رَضِيَتْ. فَإِذَا أَنْكَرَتْ، أَوْ قَالَتْ: "غِرْتُ"، فَلَهَا أَنْ يَعْدِلَ عَلَيْهَا، أَوْ يُرْضِيَهَا، أَوْ يُطَلِّقَهَا. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ: سَأَلَتُ عَبِيدَةَ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ: " {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا} "، قَالَ: هُوَ الرَّجُلُ تَكُونُ لَهُ امْرَأَةٌ قَدْ خَلَا مِنْ سِنِّهَا، فَتُصَالِحُهُ عَنْ حَقِّهَا عَلَى شَيْءٍ، فَهُوَ لَهُ مَا رَضِيَتْ. فَإِذَا كَرِهَتْ، فَلَهَا أَنْ يَعْدِلَ عَلَيْهَا، أَوْ يُرْضِيَهَا مِنْ حَقِّهَا، أَوْ يُطَلِّقَهَا. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ هِشَامٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: سَأَلَتْ عَبِيدَةَ عَنْ قَوْلِهِ: " {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا} "، فَذَكَرَ نَحْوَ ذَلِكَ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: فَإِنْ سَخِطَتْ، فَلَهُ أَنْ يُرْضِيَهَا، أَوْ يُوَفِّيَهَا حَقَّهَا كُلَّهُ، أَوْ يُطَلِّقَهَا. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ قَالَ: قَالَ إِبْرَاهِيمُ: إِذَا شَاءَتْ كَانَتْ عَلَى حَقِّهَا، وَإِنْ شَاءَتْ أَبَتْ فَرَدَّتِ الصُّلْحَ، فَذَاكَ بِيَدِهَا. فَإِنْ شَاءَ طَلَّقَهَا، وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا عَلَى حَقِّهَا. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ: " {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا} "، قَالَ قَالَ عَلِيٌّ: تَكُونُ الْمَرْأَةُ عِنْدَ الرَّجُلِ الزَّمَانَ الْكَثِيرَ، فَتَخَافُ أَنْ يُطَلِّقَهَا، فَتُصَالِحُهُ عَلَى صُلْحِ مَا شَاءَ وَشَاءَتْ، يَبِيتُ عِنْدَهَا فِي كَذَا وَكَذَا لَيْلَةٍ، وَعِنْدَ أُخْرَى، مَا تَرَاضَيَا عَلَيْهِ، وَأَنْ تَكُونَ نَفَقَتُهَا دُونَ مَا كَانَتْ. وَمَا صَالَحَتْهُ عَلَيْهِ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ جَائِزٌ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْحَكَمِ: " {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا} "، قَالَ: هِيَ الْمَرْأَةُ تَكُونُ عِنْدَ الرَّجُلِ، فَيُرِيدُ أَنْ يُخَلِّيَ سَبِيلَهَا. فَإِذَا خَافَتْ ذَلِكَ مِنْهُ، فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَصْطَلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا، تَدَعُ مِنْ أَيَّامِهَا إِذَا تَزَوَّجَ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: " {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا} "، إِلَى قَوْلِهِ: " {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} "، وَهُوَ الرَّجُلُ تَكُونُ تَحْتَهُ الْمَرْأَةُ الْكَبِيرَةُ، فَيَنْكِحُ عَلَيْهَا الْمَرْأَةَ الشَّابَّةَ، فَيَكْرَهُ أَنْ يُفَارِقَ أُمَّ وَلَدِهِ، فَيُصَالِحُهَا عَلَى عَطِيَّةٍ مِنْ مَالِهِ وَنَفْسِهِ، فَيَطِيبُ لَهُ ذَلِكَ الصُّلْحُ. حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلُهُ: " {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا} "، فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ" {فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} "، وَهَذَا فِي الرَّجُلِ تَكُونُ عِنْدَهُ الْمَرْأَةُ قَدْ خَلَا مِنْ سِنِّهَا، وَهَانَ عَلَيْهِ بَعْضُ أَمْرِهَا، فَيَقُولُ: "إِنْ كُنْتِ رَاضِيَةً مِنْ نَفْسِي وَمَالِي بِدُونِ مَا كُنْتِ تَرْضَيْنَ بِهِ قَبْلَ الْيَوْمِ!"، فَإِنِ اصْطَلَحَا مِنْ ذَلِكَ عَلَى أَمْرٍ، فَقَدْ أَحَلَّ اللَّهُ لَهُمَا ذَلِكَ، وَإِنْ أَبَتْ، فَإِنَّهُ لَا يَصْلُحُ لَهُ أَنْ يَحْبِسَهَا عَلَى الْخَسْفِ. حُدِّثْتُ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ: أَنَّ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ كَانَ تَحْتَهُ امْرَأَةٌ قَدْ خَلَا مِنْ سِنِّهَا، فَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا شَابَّةً، فَآثَرَ الشَّابَّةَ عَلَيْهَا. فَأَبَتِ امْرَأَتُهُ الْأُولَى أَنْ تُقِيمَ عَلَى ذَلِكَ، فَطَلَّقَهَا تَطْلِيقَةً. حَتَّى إِذَا بَقِيَ مِنْ أَجَلِهَا يَسِيرٌ قَالَ: إِنْ شِئْتِ رَاجَعْتُكِ وَصَبَرْتِ عَلَى الْأَثَرَةِ، وَإِنْ شِئْتِ تَرَكْتُكِ حَتَّى يَخْلُوَ أَجَلُكِ! قَالَتْ: بَلْ رَاجِعْنِي وَأَصْبِرُ عَلَى الْأَثَرَةِ! فَرَاجَعَهَا، ثُمَّ آثَرَ عَلَيْهَا، فَلَمْ تَصْبِرْ عَلَى الْأَثَرَةِ، فَطَلَّقَهَا أُخْرَى وَآثَرَ عَلَيْهَا الشَّابَّةَ. قَالَ: فَذَلِكَ الصُّلْحُ الَّذِي بَلَغَنَا أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ فِيهِ: " {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا} ". قَالَ الْحَسَنُ قَالَ: عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: مَعْمَرٌ، وَأَخْبَرَنِي أَيُّوبُ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ عَبِيدَةَ، بِمِثْلِ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ وَزَادَ فِيهِ: فَإِنْ أَضَرَّ بِهَا الثَّالِثَةَ، فَإِنَّ عَلَيْهِ أَنْ يُوَفِّيَهَا حَقَّهَا، أَوْ يُطَلِّقَهَا. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: " {مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا} "، قَالَ: قَوْلُ الرَّجُلِ لِامْرَأَتِهِ: "أَنْتِ كَبِيرَةٌ، وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَسْتَبْدِلَ امْرَأَةً شَابَّةً وَضِيئَةً، فَقَرِّي عَلَى وَلَدِكِ، فَلَا أَقْسِمُ لَكِ مِنْ نَفْسِي شَيْئًا". فَذَلِكَ الصُّلْحُ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ أَبُو السَّنَابِلِ بْنُ بَعْكَكٍ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ: " {مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا} "، ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَهُ. قَالَ شِبْلٌ: فَقُلْتُ لَهُ: فَإِنْ كَانَتْ لَكَ امْرَأَةٌ فَتَقْسِمُ لَهَا وَلَمْ تَقْسِمْ لِهَذِهِ؟ قَالَ: إِذَا صَالَحَتْ عَلَى ذَلِكَ، فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: سَأَلْتُ عَامِرًا عَنِ الرَّجُلِ تَكُونُ عِنْدَهُ الْمَرْأَةُ يُرِيدُ أَنْ يُطَلِّقَهَا، فَتَقُولُ: "لَا تُطَلِّقْنِي، وَاقْسِمْ لِي يَوْمًا، وَلِلَّتِي تَزَّوَّجُ يَوْمَيْنِ"، قَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ، هُوَ صُلْحٌ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: " {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} "، قَالَ: الْمَرْأَةُ تَرَى مِنْ زَوْجِهَا بَعْضَ الْحَطِّ، وَتَكُونُ قَدْ كَبُرَتْ، أَوْ لَا تَلِدُ، فَيُرِيدُ زَوْجُهَا أَنْ يَنْكِحَ غَيْرَهَا، فَيَأْتِيهَا فَيَقُولُ: "إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَنْكِحَ امْرَأَةً شَابَّةً أَشَبَّ مِنْكِ، لَعَلَّهَا أَنْ تَلِدَ لِي وَأُوثِرُهَا فِي الْأَيَّامِ وَالنَّفَقَةِ"، فَإِنْ رَضِيَتْ بِذَلِكَ، وَإِلَّا طَلَّقَهَا، فَيَصْطَلِحَانِ عَلَى مَا أَحَبَّا. حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: " {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا} "، قَالَ: نُشُوزًا عَنْهَا، غَرِضَ بِهَا. الرَّجُلُ تَكُونُ لَهُ الْمَرْأَتَانِ"أَوْ إِعْرَاضًا"، بِتَرْكِهَا"فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا"، إِمَّا أَنْ يُرْضِيَهَا فَتُحَلِّلُهُ، وَإِمَّا أَنْ تُرْضِيَهُ فَتَعْطِفُهُ عَلَى نَفْسِهَا. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: " {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا} "، يَعْنِي: الْبُغْضَ. حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: " {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا} "، فَهُوَ الرَّجُلُ تَكُونُ تَحْتَهُ الْمَرْأَةُ الْكَبِيرَةُ، فَيَتَزَوَّجُ عَلَيْهَا الْمَرْأَةَ الشَّابَّةَ، فَيَمِيلُ إِلَيْهَا، وَتَكُونُ أَعْجَبَ إِلَيْهِ مِنَ الْكَبِيرَةِ، فَيُصَالِحُ الْكَبِيرَةَ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهَا مِنْ مَالِهِ وَيَقْسِمَ لَهَا مِنْ نَفْسِهِ نَصِيبًا مَعْلُومًا. حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ وَزَيْدُ بْنُ أَخْزَمَ قَالَا حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ مُعَاذٍ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «خَشِيَتْسَوْدَةُأَنْ يُطَلِّقَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: لَا تُطَلِّقْنِي عَلَى نِسَائِكَ، وَلَا تَقْسِمْ لِي. فَفَعَلَ، فنَزَلَتْ: " {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا} "». وَاخْتَلَفَتِ الْقَرَأَةُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: " {أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا}. فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قَرَأَةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَبَعْضُ أَهْلِ الْبَصْرَةِ بِفَتْحِ "اليَاءِ" وَتَشْدِيدِ "الصَّادِ"، بِمَعْنَى: أَنْ يَتَصَالَحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا، ثُمَّ أُدْغِمَتِ "التَّاءُ" فِي "الصَّادِ"، فَصُيِّرَتَا"صَادًا" مُشَدَّدَةً. وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قَرَأَةِ أَهْلِ الْكُوفَةِ: {أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا}، بِضَمِّ "اليَاءِ" وَتَخْفِيفِ "الصَّادِ"، بِمَعْنَى: أَصْلَحَ الزَّوْجُ وَالْمَرْأَةُ بَيْنَهُمَا. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَعْجَبُ الْقِرَاءَتَيْنِ فِي ذَلِكَ إِلَيَّ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ: "أَنْ يَصَّالَحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا"، بِفَتْحِ "اليَاءِ" وَتَشْدِيدِ "الصَّادِ"، بِمَعْنَى: يَتَصَالَحَا. لِأَنَّ "التَّصَالُحَ" فِي هَذَا الْمَوْضِعِ أَشْهَرُ وَأَوْضَحُ مَعْنًى، وَأَفْصَحُ وَأَكْثَرُ عَلَى أَلْسُنِ الْعَرَبِ مِنَ "الإِصْلَاحِ". وَ "الإِصْلَاحُ" فِي خِلَافِ "الإِفْسَادِ" أَشْهَرُ مِنْهُ فِي مَعْنَى "التَّصَالُحِ". فَإِنْ ظَنَّ ظَانٌّ أَنَّ فِي قَوْلِهِ: "صُلْحًا"، دَلَالَةً عَلَى أَنَّ قِرَاءَةَ مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ (يُصْلِحَا) بِضَمِّ "اليَاءِ" أَوْلَى بِالصَّوَابِ، فَإِنَّ الْأَمْرَ فِي ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا ظَنَّ. وَذَلِكَ أَنَّ "الصُّلْحَ" اسْمٌ وَلَيْسَ بِفِعْلٍ، فَيُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى أَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ بِالصَّوَابِ فِي قَوْلِهِ: "يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا".
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: وَأُحْضِرَتْ أَنْفُسُ النِّسَاءِ الشُّحَّ عَلَى أَنْصِبَائِهِنَّ مِنْ أَنْفُسِ أَزْوَاجِهِنَّ وَأَمْوَالِهِمْ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " {وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ} "، قَالَ: نَصِيبُهَا مِنْهُ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ وَحَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ يَمَانٍ قَالَا جَمِيعًا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: " {وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ} "، قَالَ: فِي الْأَيَّامِ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ: " {وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ} "، قَالَ: فِي الْأَيَّامِ وَالنَّفَقَةِ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِيٍّ وَابْنُ يَمَانٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: فِي النَّفَقَةِ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ.. قَالَ: حَدَّثَنَا رَوْحٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: فِي النَّفَقَةِ. وَحَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ: " {وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ} "، قَالَ: فِي الْأَيَّامِ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: " {وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ} "، قَالَ: نَفْسُ الْمَرْأَةِ عَلَى نَصِيبِهَا مِنْ زَوْجِهَا، مِنْ نَفْسِهِ وَمَالِهِ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، بِمِثْلِهِ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا حِبَّانُ بْنُ مُوسَى قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ يَمَانٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: فِي النَّفَقَةِ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الْأَخْنَسِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: فِي الْأَيَّامِ وَالنَّفَقَةِ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: فِي الْأَيَّامِ وَالنَّفَقَةِ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي قَوْلِهِ: " {وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ} "، قَالَ: الْمَرْأَةُ تَشِحُّ عَلَى مَالِ زَوْجِهَا وَنَفْسِهِ. حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى قَالَ: أَخْبَرَنَا حِبَّانُ بْنُ مُوسَى قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: جَاءَتِ الْمَرْأَةُ حِينَ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: " {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا} "، قَالَتْ: "إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَقْسِمَ لِي مِنْ نَفْسِكَ"! وَقَدْ كَانَتْ رَضِيَتْ أَنْ يَدَعَهَا فَلَا يُطَلِّقُهَا وَلَا يَأْتِيهَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: " {وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ} ". حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: " {وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ} "، قَالَ: تَطَّلِعُ نَفْسُهَا إِلَى زَوْجِهَا وَإِلَى نَفَقَتِهِ. قَالَ: وَزَعَمَ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِيسَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ: كَانَتْ قَدْ كَبُرَتْ، فَأَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُطَلِّقَهَا، فَاصْطَلَحَا عَلَى أَنْ يُمْسِكَهَا، وَيَجْعَلَ يَوْمَهَالِ عَائِشَة، فَشَحَّتْ بِمَكَانِهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَأُحْضِرَتْ نَفْسُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ، الشُّحَّ بِحَقِّهِ قِبَلَ صَاحِبِهِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ زَيْدٍ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: " {وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ} "، قَالَ: لَا تَطِيبُ نَفْسُهُ أَنْ يُعْطِيَهَا شَيْئًا، فَتُحَلِّلُهُ، وَلَا تَطِيبُ نَفْسُهَا أَنْ تُعْطِيَهُ شَيْئًا مِنْ مَالِهَا، فَتَعْطِفُهُ عَلَيْهَا. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ، قَوْلُ مَنْ قَالَ: عَنَى بِذَلِكَ: أُحْضِرَتْ أَنْفُسُ النِّسَاءِ الشُّحَّ بِأَنْصِبَائِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجِهِنَّ فِي الْأَيَّامِ وَالنَّفَقَةِ. وَ "الشُّحُّ": الْإِفْرَاطُ فِي الْحِرْصِ عَلَى الشَّيْءِ، وَهُوَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: إِفْرَاطُ حِرْصِ الْمَرْأَةِ عَلَى نَصِيبِهَا مِنْ أَيَّامِهَا مِنْ زَوْجِهَا وَنَفَقَتِهَا. فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ: وَأُحْضِرَتْ أَنْفُسُ النِّسَاءِ أَهْوَاءَهُنَّ، مِنْ فَرْطِ الْحِرْصِ عَلَى حُقُوقِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجِهِنَّ، وَالشُّحِّ بِذَلِكَ عَلَى ضَرَائِرِهِنَّ. وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي مَعْنَى "الشُّحِّ" ذُكِرَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: " {وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ} "، وَالشُّحُّ، هَوَاهُ فِي الشَّيْءِ يَحْرِصُ عَلَيْهِ. وَإِنَّمَا قُلْنَا هَذَا الْقَوْلُ أَوْلَى بِالصَّوَابِ، مِنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ: "عُنِيَ بِذَلِكَ: وَأُحْضِرَتْ أَنْفُسُ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ الشُّحَّ"، عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ زَيْدٍ لِأَنَّمُصَالَحَةَ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ بِإِعْطَائِهِ إِيَّاهَا مِنْ مَالِهِ جُعْلًاعَلَى أَنْ تَصْفَحَ لَهُ عَنِ الْقَسْمِ لَهَا، غَيْرُ جَائِزَةٍ. وَذَلِكَ أَنَّهُ غَيْرُ مُعْتَاضٍ عِوَضًا مِنْ جُعْلِهِ الَّذِي بَذَلَهُ لَهَا. وَالْجُعْلُ لَا يَصِحُّ إِلَّا عَلَى عِوَضٍ: إِمَّا عَيْنٌ، وَإِمَّا مَنْفَعَةٌ. وَالرَّجُلُ مَتَى جَعَلَ لِلْمَرْأَةِ جُعْلًا عَلَى أَنْ تَصْفَحَ لَهُ عَنْ يَوْمِهَا وَلَيْلَتِهَا، فَلَمْ يَمْلِكْ عَلَيْهَا عَيْنًا وَلَا مَنْفَعَةً. وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، كَانَ ذَلِكَ مِنْ مَعَانِي أَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ. وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا وَجْهَ لِقَوْلِ مَنْ قَالَ: "عَنَى بِذَلِكَ الرَّجُلَ وَالْمَرْأَةَ". فَإِنْ ظَنَّ ظَانٌّ أَنَّ ذَلِكَ إِذْ كَانَ حَقًّا لِلْمَرْأَةِ، وَلَهَا الْمُطَالَبَةُ بِهِ، فَلِلرَّجُلِ افْتِدَاؤُهُ مِنْهَا بِجُعْلٍ، فَإِنَّ شُفْعَةَ الْمُسْتَشْفَعِ فِي حِصَّةٍ مِنْ دَارٍ اشْتَرَاهَا رَجُلٌ مِنْ شَرِيكٍ لَهُ فِيهَا حَقٌّ، لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِهَا، فَقَدْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ لِلْمَطْلُوبِ افْتِدَاءُ ذَلِكَ مِنْهُ بِجُعْلٍ. وَفِي إِجْمَاعِ الْجَمِيعِ عَلَى أَنَّ الصُّلْحَ فِي ذَلِكَ عَلَى عِوَضٍ غَيْرُ جَائِزٍ، إِذْ كَانَ غَيْرَ مُعْتَاضٍ مِنْهُ الْمَطْلُوبُ فِي الشُّفْعَةِ عَيْنًا وَلَا نَفْعًا مَا يَدُلُّ عَلَى بُطُولِ صُلْحِ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ عَلَى عِوَضٍ، عَلَى أَنْ تَصْفَحَ عَنْ مُطَالَبَتِهَا إِيَّاهُ بِالْقِسْمَةِ لَهَا. وَإِذَا فَسَدَ ذَلِكَ، صَحَّ أَنَّ تَأْوِيلَ الْآيَةِ مَا قُلْنَا. وَقَدْ أَبَانَ الْخَبَرُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ قَوْلَهُ: " {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا} "، الْآيَةَ: نَزَلَتْ فِي أَمْرِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ وَزَوْجَتِهِ، إِذْ تَزَوَّجَ عَلَيْهَا شَابَّةً، فَآثَرَ الشَّابَّةَ عَلَيْهَا، فَأَبَتِ الْكَبِيرَةُ أَنْ تَقِرَّ عَلَى الْأَثَرَةِ، فَطَلَّقَهَا تَطْلِيقَةً وَتَرَكَهَا. فَلَمَّا قَارَبَ انْقِضَاءُ عِدَّتِهَا خَيَّرَهَا بَيْنَ الْفِرَاقِ وَالرَّجْعَةِ وَالصَّبْرِ عَلَى الْأَثَرَةِ، فَاخْتَارَتِ الرَّجْعَةَ وَالصَّبْرَ عَلَى الْأَثَرَةِ. فَرَاجَعَهَا وَآثَرَ عَلَيْهَا، فَلَمْ تَصْبِرْ، فَطَلَّقَهَا. فَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ: " {وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ} "، إِنَّمَا عُنِيَ بِهِ: وَأُحْضِرَتْ أَنْفُسُ النِّسَاءِ الشُّحَّ بِحُقُوقِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجِهِنَّ، عَلَى مَا وَصَفْنَا. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَمَّا قَوْلُهُ" {وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا} "، فَإِنَّهُ يَعْنِي: وَإِنْ تُحْسِنُوا، أَيُّهَا الرِّجَالُ، فِي أَفْعَالِكُمْ إِلَى نِسَائِكُمْ، إِذَا كَرِهْتُمْ مِنْهُنَّ دَمَامَةً أَوْ خُلُقًا أَوْ بَعْضَ مَا تَكْرَهُونَ مِنْهُنَّ بِالصَّبْرِ عَلَيْهِنَّ، وَإِيفَائِهِنَّ حُقُوقَهُنَّ، وَعِشْرَتِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ"وَتَتَّقُوا"، يَقُولُ: وَتَتَّقُوا اللَّهَ فِيهِنَّ بِتَرْكِ الْجَوْرِ مِنْكُمْ عَلَيْهِنَّ فِيمَا يَجِبُ لِمَنْ كَرِهْتُمُوهُ مِنْهُنَّ عَلَيْكُمْ، مِنَ الْقِسْمَةِ لَهُ، وَالنَّفَقَةِ، وَالْعِشْرَةِ بِالْمَعْرُوفِ " {فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} "، يَقُولُ: فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ فِي أُمُورِ نِسَائِكُمْ، أَيُّهَا الرِّجَالُ، مِنَ الْإِحْسَانِ إِلَيْهِنَّ وَالْعِشْرَةِ بِالْمَعْرُوفِ، وَالْجَوْرِ عَلَيْهِنَّ فِيمَا يَلْزَمُكُمْ لَهُنَّ وَيَجِبُ"خَبِيرًا"، يَعْنِي: عَالِمًا خَابِرًا، لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهُ شَيْءٌ، بَلْ هُوَ بِهِ عَالَمٌ، وَلَهُ مُحْصٍ عَلَيْكُمْ، حَتَّى يُوَفِّيَكُمْ جَزَاءَ ذَلِكَ: الْمُحْسِنَ مِنْكُمْ بِإِحْسَانِهِ، وَالْمُسِيءَ بِإِسَاءَتِهِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: " {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ} "، لَنْ تُطِيقُوا، أَيُّهَا الرِّجَالُ، أَنْ تُسَوُّوا بَيْنَ نِسَائِكُمْ وَأَزْوَاجِكُمْ فِي حُبِّهِنَّ بِقُلُوبِكُمْ حَتَّى تَعْدِلُوا بَيْنَهُنَّ فِي ذَلِكَ، فَلَا يَكُونُ فِي قُلُوبِكُمْ لِبَعْضِهِنَّ مِنَ الْمَحَبَّةِ إِلَّا مِثْلُ مَا لِصَوَاحِبِهَا، لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا لَا تَمْلِكُونَهُ، وَلَيْسَ إِلَيْكُمْ"وَلَوْ حَرَصْتُمْ"، يَقُولُ: وَلَوْ حَرَصْتُمْ فِي تَسْوِيَتِكُمْ بَيْنَهُنَّ فِي ذَلِكَ، كَمَا:- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: " {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ} "، قَالَ: وَاجِبٌ، أَنْ لَا تَسْتَطِيعُوا الْعَدْلَ بَيْنَهُنَّ. " {فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ} "، يَقُولُ: فَلَا تَمِيلُوا بِأَهْوَائِكُمْ إِلَى مَنْ لَمْ تَمْلِكُوا مَحَبَّتَهُ مِنْهُنَّ كُلَّ الْمَيْلِ، حَتَّى يَحْمِلَكُمْ ذَلِكَ عَلَى أَنْ تَجُورُوا عَلَى صَوَاحِبهَا فِي تَرْكِ أَدَاءِ الْوَاجِبِ لَهُنَّ عَلَيْكُمْ مِنْ حَقِّ: فِي الْقَسْمِ لَهُنَّ، وَالنَّفَقَةِ عَلَيْهِنَّ، وَالْعِشْرَةِ بِالْمَعْرُوفِ " {فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ} " يَقُولُ: فَتَذَرُوا الَّتِي هِيَ سِوَى الَّتِي مِلْتُمْ بِأَهْوَائِكُمْ إِلَيْهَا"كَالْمُعَلَّقَةِ"، يَعْنِي: كَالَّتِي لَا هِيَ ذَاتُ زَوْجٍ، وَلَا هِيَ أَيِّمٌ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ مَا قُلْنَا فِيقَوْلِهِ: " {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ}". حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ عَبِيدَةَ: " {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ} "، قَالَ: بِنَفْسِهِ فِي الْحُبِّ وَالْجِمَاعِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ يُونُسَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ عَبِيدَةَ: " {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ} "، قَالَ: بِنَفْسِهِ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَفْصٌ، عَنْ أَشْعَثَ وَهِشَامٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ عَبِيدَةَ قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِهِ: " {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ} "، فَقَالَ: فِي الْجِمَاعِ حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ هِشَامٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ عَبِيدَةَ قَالَ: فِي الْحُبِّ وَالْجِمَاعِ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سَهْلٌ، عَنْ عَمْرٍو، عَنِ الْحَسَنِ: فِي الْحُبِّ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ عَبِيدَةَ قَالَ: فِي الْحُبِّ وَالْجِمَاعِ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ عَبِيدَةَ فِي قَوْلِهِ: " {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ} "، قَالَ: فِي الْمَوَدَّةِ، كَأَنَّهُ يَعْنِي الْحُبَّ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ} "، يَقُولُ: لَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تَعْدِلَ بِالشَّهْوَةِ فِيمَا بَيْنَهُنَّ وَلَوْ حَرَصْتَ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ وَحَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ أَمَّا قَلْبِي فَلَا أَمْلِكُ! وَأَمَّا سِوَى ذَلِكَ، فَأَرْجُو أَنْ أَعْدِلَ! حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: " {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ} "، يَعْنِي: فِي الْحُبِّ وَالْجِمَاعِ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ وَحَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ قَالَا جَمِيعًا: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْسِمُ بَيْنَ نِسَائِهِ فَيَعْدِلُ، ثُمَّ يَقُولُ: اللَّهُمَّ هَذَا قَسْمِي فِيمَا أَمْلِكُ، فَلَا تَلُمْنِي فِيمَا تَمْلِكُ وَلَا أَمْلِك». حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رَفِيعٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي عَائِشَة: " {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ} ". حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، قَالَ: فِي الشَّهْوَةِ وَالْجِمَاعِ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ قَالَ: فِي الْجِمَاعِ. حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ قَالَ: حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ أَبِي الزَّرْقَاءِ قَالَ: قَالَ سُفْيَانُ فِي قَوْلِهِ: " {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ} "، قَالَ: فِي الْحُبِّ وَالْجِمَاعِ. حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: " {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ} "، قَالَ: مَا يَكُونُ مِنْ بَدَنِهِ وَقَلْبِهِ، فَذَلِكَ شَيْءٌ لَا يَسْتَطِيعُ يَمْلِكُهُ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ مَا قُلْنَا فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: " {فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ} ". حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ: قُلْتُ لِعَبِيدَةَ: " {فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ} "، قَالَ: بِنَفْسِهِ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبِيدَةَ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ عَبِيدَةَ: " {فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ} "- قَالَ هِشَامٌ: أَظُنُّهُ قَالَ: فِي الْحُبِّ وَالْجِمَاعِ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا حِبَّانُ بْنُ مُوسَى قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ قَالَ: أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ عَبِيدَةَ فِي قَوْلِهِ: " {كُلَّ الْمَيْلِ} "، قَالَ: بِنَفْسِهِ. حَدَّثَنَا بَحْرُ بْنُ نَصْرٍ الْخَوْلَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْأَوْزَاعِيُّ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: سَأَلْتُ عَبِيدَةَ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ: " {فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ} "، قَالَ: بِنَفْسِهِ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنِ الْحَسَنِ: " {فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ} "، قَالَ: فِي الْغَشَيَانِ وَالْقَسْمِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: " {فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ} "، لَا تَعَمَّدُوا الْإِسَاءَةَ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: بَلَغَنِي عَنْ مُجَاهِدٍ: " {فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ} "، قَالَ: يَتَعَمَّدُ أَنْ يُسِيءَ وَيَظْلِمَ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى بْنِ مَيْمُونٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: " {فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ} "، قَالَ: هَذَا فِي الْعَمَلِ فِي مَبِيتِهِ عِنْدَهَا، وَفِيمَا تُصِيبُ مِنْ خَيْرِهِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: " {فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ} "، يَقُولُ: يَمِيلُ عَلَيْهَا، فَلَا يُنْفِقُ عَلَيْهَا، وَلَا يَقْسِمُ لَهَا يَوْمًا. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قَالَ مُجَاهِدٌ: " {فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ} "، قَالَ: يَتَعَمَّدُ الْإِسَاءَةَ، يَقُولُ: "لَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ"، قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّهُ الْجِمَاعُ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْسِمُ بَيْنَ نِسَائِهِ فَيَعْدِلُ، وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ هَذِهِ قِسْمَتِي فِيمَا أَمْلِكُ، فَلَا تَلُمْنِي فِيمَا تَمْلِكُ وَلَا أَمْلِكُ! حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَائِشَة، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِهِ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ هَمَّامِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ بَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَتَانِ يَمِيلُ مَعَ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى، جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَدُ شِقَّيْهِ سَاقِطٌ.» ذِكْرُ مَنْ قَالَ مَا قُلْنَا فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: " {فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ} ". حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " {فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ} "، قَالَ: تَذْرُوهَا لَا هِيَ أَيِّمُ، وَلَا هِيَ ذَاتُ زَوْجٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: " {فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ} "، قَالَ: لَا أَيِّمًا وَلَا ذَاتَ بَعْلٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ يَمَانٍ، عَنْ مُبَارَكٍ، عَنِ الْحَسَنِ: " {فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ} "، قَالَ: لَا مُطَلَّقَةً وَلَا ذَاتَ بَعْلٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنِ الْحَسَنِ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: " {فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ} "، أَيْ كَالْمَحْبُوسَةِ، أَوْ كَالْمَسْجُونَةِ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: " {فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ} "، قَالَ: كَالْمَسْجُونَةِ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَكَّامُ بْنُ سَلْمٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ فِي قَوْلِهِ: " {فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ} "، يَقُولُ: لَا مُطَلَّقَةً وَلَا ذَاتَ بَعْلٍ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ فِي قَوْلِهِ: " {فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ} "، لَا مُطَلَّقَةً وَلَا ذَاتَ بَعْلٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: بَلَغَنِي عَنْ مُجَاهِدٍ: " {فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ} "، قَالَ: لَا أَيِّمًا وَلَا ذَاتَ بَعْلٍ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ: " {فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ} "، لَيْسَتْ بِأَيِّمٍ وَلَا ذَاتَ زَوْجٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُحَارِبِيُّ وَأَبُو خَالِدٍ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، قَالَ: لَا تَدَعْهَا كَأَنَّهَا لَيْسَ لَهَا زَوْجٌ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: " {فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ} "، قَالَ: لَا أَيِّمًا وَلَا ذَاتَ بَعْلٍ. حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: " {فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ} "، قَالَ: "الْمُعَلَّقَةُ"، الَّتِي لَيْسَتْ بِمُخَلَّاةٍ وَنَفْسَهَا فَتَبْتَغِي لَهَا، وَلَيْسَتْ مُتَهَيِّئَةً كَهَيْئَةِ الْمَرْأَةِ مِنْ زَوْجِهَا، لَا هِيَ عِنْدَ زَوْجِهَا، وَلَا مُفَارَقَةً، فَتَبْتَغِي لِنَفْسِهَا. فَتِلْكَ "المُعَلَّقَةُ". قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَإِنَّمَا أَمَرَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: " {فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ} " الرِّجَالَ بِالْعَدْلِ بَيْنَ أَزْوَاجِهِنَّ فِيمَا اسْتَطَاعُوا فِيهِ الْعَدْلَ بَيْنَهُنَّ مِنَ الْقِسْمَةِ بَيْنَهُنَّ، وَالنَّفَقَةِ، وَتَرْكِ الْجَوْرُ فِي ذَلِكَ بِإِرْسَالِ إِحْدَاهُنَّ عَلَى الْأُخْرَى فِيمَا فَرَضَ عَلَيْهِمُ الْعَدْلَ بَيْنَهُنَّ فِيهِ، إِذْ كَانَ قَدْ صَفَحَ لَهُمْ عَمَّا لَا يُطِيقُونَ الْعَدْلَ فِيهِ بَيْنَهُنَّ مِمَّا فِي الْقُلُوبِ مِنَ الْمَحَبَّةِ وَالْهَوَى.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: "وَإِنْ تُصْلِحُوا" أَعْمَالَكُمْ، أَيُّهَا النَّاسُ، فَتَعْدِلُوا فِي قَسْمِكُمْ بَيْنَ أَزْوَاجِكُمْ، وَمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُنَّ عَلَيْكُمْ مِنَ النَّفَقَةِ وَالْعِشْرَةِ بِالْمَعْرُوفِ، فَلَا تَجُورُوا فِي ذَلِكَ"وَتَتَّقُوا"، يَقُولُ: وَتَتَّقُوا اللَّهَ فِي الْمَيْلِ الَّذِي نَهَاكُمْ عَنْهُ، بِأَنْ تَمِيلُوا لِإِحْدَاهُنَّ عَلَى الْأُخْرَى، فَتَظْلِمُوهَا حَقَّهَا مِمَّا أَوْجَبَهُ اللَّهُ لَهَا عَلَيْكُمْ"فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا"، يَقُولُ: فَإِنَّ اللَّهَ يَسْتُرُ عَلَيْكُمْ مَا سَلَفَ مِنْكُمْ مِنْ مَيْلِكُمْ وَجَوْرِكُمْ عَلَيْهِنَّ قَبْلَ ذَلِكَ، بِتَرْكِهِ عُقُوبَتَكُمْ عَلَيْهِ، وَيُغَطِّي ذَلِكَ عَلَيْكُمْ بِعَفْوِهِ عَنْكُمْ مَا مَضَى مِنْكُمْ فِي ذَلِكَ قَبْلُ، "رَحِيمًا"، يَقُولُ: وَكَانَ رَحِيمًا بِكُمْ، إِذْ تَابَ عَلَيْكُمْ، فَقَبِلَ تَوْبَتَكُمْ مِنَ الَّذِي سَلَّفَ مِنْكُمْ مِنْ جَوْرِكُمْ فِي ذَلِكَ عَلَيْهِنَّ، وَفِي تَرْخِيصِهِ لَكُمُ الصُّلْحَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُنَّ، بِصَفْحِهِنَّ عَنْ حُقُوقِهِنَّ لَكُمْ مِنَ الْقَسْمِ عَلَى أَنْ لَا يُطَلَّقْنَ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: فَإِنْ أَبَتِ الْمَرْأَةُ الَّتِي قَدْ نَشَزَ عَلَيْهَا زَوْجُهَا-إِذْ أَعْرَضَ عَنْهَا بِالْمَيْلِ مِنْهُ إِلَى ضَرَّتِهَا لِجَمَالِهَا أَوْ شَبَابِهَا، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا تَمِيلُ النُّفُوسُ لَهُ إِلَيْهَا- الصُّلْحَ بِصَفْحِهَا لِزَوْجِهَا عَنْ يَوْمِهَا وَلَيْلَتِهَا، وَطَلَبَتْ حَقَّهَا مِنْهُ مِنَ الْقَسْمِ وَالنَّفَقَةِ، وَمَا أَوْجَبَ اللَّهُ لَهَا عَلَيْهِ وَأَبَى الزَّوْجُ الْأَخْذَ عَلَيْهَا بِالْإِحْسَانِ الَّذِي نَدَبَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ: " {وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} "، وَإِلْحَاقَهَا فِي الْقَسْمِ لَهَا وَالنَّفَقَةِ وَالْعِشْرَةِ بِالَّتِي هُوَ إِلَيْهَا مَائِلٌ، فَتَفَرَّقَا بِطَلَاقِ الزَّوْجِ إِيَّاهَا" {يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ} "، يَقُولُ: يُغْنِ اللَّهُ الزَّوْجَ وَالْمَرْأَةَ الْمُطَلَّقَةَ مِنْ سَعَةِ فَضْلِهِ. أَمَّا هَذِهِ، فَبِزَوْجٍ هُوَ أَصْلَحُ لَهَا مِنَ الْمُطَلِّقِ الْأَوَّلِ، أَوْ بِرِزْقٍ أَوْسَعَ وَعِصْمَةٍ. وَأَمَّا هَذَا، فَبِرِزْقٍ وَاسِعٍ وَزَوْجَةٍ هِيَ أَصْلَحُ لَهُ مِنَ الْمُطَلَّقَةِ، أَوْ عِفَّةٍ"وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا"، يَعْنِي: وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا لَهُمَا فِي رِزْقِهِ إِيَّاهُمَا وَغَيْرَهمَا مِنْ خَلْقِهِ "حَكِيمًا"، فِيمَا قَضَى بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا مِنَ الْفُرْقَةِ وَالطَّلَاقِ، وَسَائِرِ الْمَعَانِي الَّتِي عَرَفْنَاهَا مِنَ الْحُكْمِ بَيْنَهُمَا فِي هَذِهِ الْآيَاتِ وَغَيْرِهَا، وَفِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَحْكَامِهِ وَتَدْبِيرِهِ وَقَضَايَاهُ فِي خَلْقِهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ: " {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ} "، قَالَ: الطَّلَاقُ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَوَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَلِلَّهِ جَمِيعُ مُلْكِ مَا حَوَتْهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرَضُونَ السَّبْعُ مِنَ الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا. وَإِنَّمَا ذَكَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ذَلِكَ بِعَقِبِ قَوْلِهِ: " {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ} "، تَنْبِيهًا مِنْهُ خَلْقَهُ عَلَى مَوْضِعِ الرَّغْبَةِ عِنْدَ فِرَاقِ أَحَدِهِمْ زَوْجَتَهُ، لِيَفْزَعُوا إِلَيْهِ عِنْدَ الْجَزَعِ مِنَ الْحَاجَةِ وَالْفَاقَةِ وَالْوَحْشَةِ بِفِرَاقِ سَكَنِهِ وَزَوْجَتِهِ وَتَذْكِيرًا مِنْهُ لَهُ أَنَّهُ الَّذِي لَهُ الْأَشْيَاءُ كُلُّهَا، وَأَنَّ مَنْ كَانَ لَهُ مُلْكُ جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ، فَغَيْرُ مُتَعَذِّرٍ عَلَيْهِ أَنْ يُغْنِيَهُ وَكُلَّ ذِي فَاقَةٍ وَحَاجَةٍ، وَيُؤْنِسُ كُلَّ ذِي وَحْشَةٍ. ثُمَّ رَجَعَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ إِلَى عَذْلِ مَنْ سَعَى فِي أَمْرِ بَنِي أُبَيْرِقٍ وَتَوْبِيخِهِمْ، وَوَعِيدِ مَنْ فَعَلَ مَا فَعَلَ الْمُرْتَدُّ مِنْهُمْ، فَقَالَ " {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ} "، يَقُولُ: وَلَقَدْ أَمَرْنَا أَهْلَ الْكِتَابِ، وَهُمْ أَهْلُ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ"وَإِيَّاكُمْ"، يَقُولُ: وَأَمَرْنَاكُمْ وَقُلْنَا لَكُمْ وَلَهُمُ: "اتَّقُوا اللَّهَ"، يَقُولُ: احْذَرُوا اللَّهَ أَنْ تَعْصُوهُ وَتُخَالِفُوا أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ "وَإِنْ تَكْفُرُوا"، يَقُولُ: وَإِنْ تَجْحَدُوا وَصِيَّتَهُ إِيَّاكُمْ، أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ، فَتُخَالِفُوهَا"فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ"، يَقُولُ: فَإِنَّكُمْ لَا تَضُرُّونَ بِخِلَافِكُمْ وَصِيَّتَهُ غَيْرَ أَنْفُسِكُمْ، وَلَا تَعْدُونَ فِي كُفْرِكُمْ ذَلِكَ أَنْ تَكُونُوا أَمْثَالَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، فِي نُزُولِ عُقُوبَتِهِ بِكُمْ، وَحُلُولِ غَضَبِهِ عَلَيْكُمْ، كَمَا حَلَّ بِهِمْ إِذْ بَدَّلُوا عَهْدَهُ وَنَقَضُوا مِيثَاقَهُ، فَغَيَّرَ بِهِمْ مَا كَانُوا فِيهِ مِنْ خَفْضِ الْعَيْشِ وَأَمْنِ السِّرْبِ، وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ. وَذَلِكَ أَنَّ لَهُ مُلْكَ جَمِيعِ مَا حَوَتْهُ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ، لَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ شَيْءٌ أَرَادَهُ بِجَمِيعِهِ وَبِشَيْءٍ مِنْهُ، مِنْ إِعْزَازِ مَنْ أَرَادَ إِعْزَازَهُ، وَإِذْلَالِ مَنْ أَرَادَ إِذْلَالَهُ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأُمُورِ كُلِّهَا، لِأَنَّ الْخَلْقَ خَلْقُهُ، بِهِمْ إِلَيْهِ الْفَاقَةُ وَالْحَاجَةُ، وَبِهِ قُوَاهُمْ وَبَقَاؤُهُمْ، وَهَلَاكُهُمْ وَفَنَاؤُهُمْ، وَهُوَ "الغَنِيُّ" الَّذِي لَا حَاجَةَ تَحِلُّ بِهِ إِلَى شَيْءٍ، وَلَا فَاقَةَ تَنْزِلُ بِهِ تَضْطَرُّهُ إِلَيْكُمْ، أَيُّهَا النَّاسُ، وَلَا إِلَى غَيْرِكُمْ "وَالْحَمِيدُ" الَّذِي اسْتَوْجَبَ عَلَيْكُمْ أَيُّهَا الْخَلْقُ الْحَمْدَ بِصَنَائِعِهِ الْحَمِيدَةِ إِلَيْكُمْ، وَآلَائِهِ الْجَمِيلَةِ لَدَيْكُمْ. فَاسْتَدِيمُوا ذَلِكَ، أَيُّهَا النَّاسُ، بِاتِّقَائِهِ، وَالْمُسَارَعَةِ إِلَى طَاعَتِهِ فِيمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ وَيَنْهَاكُمْ عَنْهُ، كَمَا: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هَاشِمٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا سَيْفٌ، عَنْ أَبِي رَوْقٍ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: " {وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا} "، قَالَ: غَنِيًّا عَنْ خَلْقِهِ"حَمِيدًا"، قَالَ: مُسْتَحْمَدًا إِلَيْهِمْ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَلِلَّهِ مُلْكُ جَمِيعِ مَا حَوَتْهُ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ، وَهُوَ الْقَيِّمُ بِجَمِيعِهِ، وَالْحَافِظُ لِذَلِكَ كُلِّهِ، لَا يَعْزُبُ عَنْهُ عِلْمُ شَيْءٍ مِنْهُ، وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُ وَتَدْبِيرُهُ، كَمَا:- حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ: " {وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا} "، قَالَ: حَفِيظًا. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَمَا وَجْهُ تِكْرَارِ قَوْلِهِ: " {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} " فِي آيَتَيْنِ، إِحْدَاهُمَا فِي إِثْرِ الْأُخْرَى؟ قِيلَ: كَرَّرَ ذَلِكَ، لِاخْتِلَافِ مَعْنَى الْخَبَرَيْنِ عَمَّا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ فِي الْآيَتَيْنِ. وَذَلِكَ أَنَّ الْخَبَرَ عَنْهُ فِي إِحْدَى الْآيَتَيْنِ: ذِكْرُ حَاجَتِهِ إِلَى بَارِئِهِ، وَغِنَى بَارِئِهِ عَنْهُ- وَفِي الْأُخْرَى: حِفْظُ بَارِئِهِ إِيَّاهُ، وَعِلْمُهُ بِهِ وَبِتَدْبِيرِهِ. فَإِنْ قَالَ: أَفَلَا قِيلَ: "وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا"، وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا؟ قِيلَ: إِنَّ الَّذِي فِي الْآيَةِ الَّتِي قَالَ فِيهَا: " {وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا} "، مِمَّا صَلَحَ أَنْ يَخْتِمَ مَا خَتَمَ بِهِ مِنْ وَصْفِ اللَّهِ بِالْغِنَى وَأَنَّهُ مَحْمُودٌ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهَا مَا يَصْلُحُ أَنْ يَخْتِمَ بِوَصْفِهِ مَعَهُ بِالْحِفْظِ وَالتَّدْبِيرِ. فَلِذَلِكَ كَرَّرَ قَوْلَهُ: " {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} ".
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرًا}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: إِنْ يَشَأِ اللَّهُ، أَيُّهَا النَّاسُ، "يُذْهِبْكُمْ"، أَيْ: يُذْهِبْكُمْ بِإِهْلَاكِكُمْ وَإِفْنَائِكُمْ"وَيَأْتِ بِآخَرِينَ"، يَقُولُ: وَيَأْتِ بِنَاسٍ آخَرِينَ غَيْرِكُمْ لِمُؤَازَرَةِ نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنُصْرَتِهِ" {وَكَانَ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرًا} "، يَقُولُ: وَكَانَ اللَّهُ عَلَى إِهْلَاكِكُمْ وَإِفْنَائِكُمْ وَاسْتِبْدَالِ آخَرِينَ غَيْرِكُمْ بِكُمْ"قَدِيرًا"، يَعْنِي: ذَا قُدْرَةٍ عَلَى ذَلِكَ. وَإِنَّمَا وَبَّخَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِهَذِهِ الْآيَاتِ، الْخَائِنِينَ الَّذِينَ خَانُوا الدِّرْعَ الَّتِي وَصَفْنَا شَأْنَهَا، الَّذِينَ ذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِي قَوْلِهِ: {وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 105] وَحَذَّرَ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَكُونُوا مِثْلَهُمْ، وَأَنْ يَفْعَلُوا فِعْلَ الْمُرْتَدِّ مِنْهُمْ فِي ارْتِدَادِهِ وَلِحَاقِهِ بِالْمُشْرِكِينَ، وَعَرَّفَهُمْ أَنَّ مَنْ فَعَلَ فِعْلَهُ مِنْهُمْ، فَلَنْ يَضُرَّ إِلَّا نَفْسَهُ، وَلَنْ يُوبِقَ بِرِدَّتِهِ غَيْرَ نَفْسِهِ، لِأَنَّهُ الْمُحْتَاجُ-مَعَ جَمِيعِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ- إِلَى اللَّهِ، وَاللَّهُ الْغَنِيُّ عَنْهُمْ. ثُمَّ تَوَعَّدَهُمْ فِي قَوْلِهِ: " {إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ} "، بِالْهَلَاكِ وَالِاسْتِئْصَالِ، إِنْ هُمْ فَعَلُوا فِعْلَ ابْنِ أُبَيْرِقٍ طُعْمَةَ الْمُرْتَدِّ وَبِاسْتِبْدَالِ آخَرِينَ غَيْرِهِمْ بِهِمْ، لِنُصْرَةِ نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصُحْبَتِهِ وَمُؤَازَرَتِهِ عَلَى دِينِهِ، كَمَا قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ}، [سُورَةُ مُحَمَّدٍ: 38]. وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا لَمَّا نَزَلَتْ، ضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى ظَهْرِ سَلْمَانَ فَقَالَ: "هُمْ قَوْمُ هَذَا"، يَعْنِي عُجْمَ الْفُرْسِ، كَذَلِكَ:- حُدِّثْتُ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَ قَتَادَةُ فِي ذَلِكَ بِمَا:- حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ" {إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرًا} "، قَادِرٌ وَاللَّهِ رَبُّنَا عَلَى ذَلِكَ: أَنْ يُهْلِكَ مَنْ يَشَاءُ مِنْ خَلْقِهِ، وَيَأْتِي بِآخَرِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: "مَنْ كَانَ يُرِيدُ"، مِمَّنْ أَظْهَرَ الْإِيمَانَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَهْلِ النِّفَاقِ، الَّذِينَ يَسْتَبْطِنُونَ الْكُفْرَ وَهُمْ مَعَ ذَلِكَ يُظْهِرُونَ الْإِيمَانَ"ثَوَابَ الدُّنْيَا"، يَعْنِي: عَرَضَ الدُّنْيَا، بِإِظْهَارِهِ مَا أَظْهَرَ مِنَ الْإِيمَانِ بِلِسَانِهِ. " {فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا} "، يَعْنِي: جَزَاؤُهُ فِي الدُّنْيَا مِنْهَا وَثَوَابُهُ فِيهَا، وَهُوَ مَا يُصِيبُ مِنَ الْمَغْنَمِ إِذَا شَهِدَ مَعَ النَّبِيِّ مَشْهَدًا، وَأَمْنُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَذُرِّيَّتِهِ وَمَالِهِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ. وَأَمَّا ثَوَابُهُ فِي الْآخِرَةِ، فَنَارُ جَهَنَّمَ. فَمَعْنَى الْآيَةِ: مَنْ كَانَ مِنَ الْعَامِلِينَ فِي الدُّنْيَا مِنَ الْمُنَافِقِينَ يُرِيدُ بِعَمَلِهِ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَجَزَاءَهَا مِنْ عَمَلِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ مُجَازِيهِ بِهِ جَزَاءَهُ فِي الدُّنْيَا مِنَ الدُّنْيَا، وَجَزَاءَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْآخِرَةِ مِنَ الْعِقَابِ وَالنَّكَالِ. وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ، وَهُوَ مَالِكٌ جَمِيعَهُ، كَمَا قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [سُورَةُ هُودٍ: 16]. وَإِنَّمَا عَنَى بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: الَّذِينَ تَتَيَّعُوا فِي أَمْرِ بَنِي أُبَيْرِقٍ، وَالَّذِينَ وَصَفَهُمْ فِي قَوْلِهِ: {وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 107]، وَمَنْ كَانَ مِنْ نُظَرَائِهِمْ فِي أَفْعَالِهِمْ وَنِفَاقِهِمْ. وَقَوْلُهُ: " {وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} "، يَعْنِي: وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا لِمَا يَقُولُ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ ثَوَابَ الدُّنْيَا بِأَعْمَالِهِمْ، وَإِظْهَارِهِمْ لِلْمُؤْمِنِينَ مَا يُظْهِرُونَ لَهُمْ إِذَا لَقُوا الْمُؤْمِنِينَ، وَقَوْلُهُمْ لَهُمْ: "آمَنَّا" "بَصِيرًا"، يَعْنِي: وَكَانَ ذَا بَصَرٍ بِهِمْ وَبِمَا هُمْ عَلَيْهِ مُنْطَوُونَ لِلْمُؤْمِنِينَ، فِيمَا يَكْتُمُونَهُ وَلَا يُبْدُونَهُ لَهُمْ مِنَ الْغِشِّ وَالْغِلِّ الَّذِي فِي صُدُورِهِمْ لَهُمْ.
|